الجيولوجيا والمجتمع بقلم الدكتور منذر ظاهر نصيف

الجيولوجيا والمجتمع بقلم الدكتور منذر ظاهر نصيف / التدريسي في قسم جيولوجيا النفط والمعادن جامعة ديالى/ كلية العلوم

يعتبر علم الجيولوجيا من العلوم المهمة التي لها تطبيقات واسعة في خدمة المجتمع والتي لها ارتباط وثيق مع الكثير من العلوم الأخرى، فمن خلال الجيولوجيا يمكن استكشاف إسرار الأرض وما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من خيرات تعتبر عصب الحياة مثل النفط والغاز والثروات المعدنية والمياه الجوفية وتحديد أماكن توزيعها ومقدار احتياطيها. ولعلم الجيولوجيا أهمية كبيرة في كثير من التطبيقات الهندسية سواء قبل أو بعد إنجاز المنشأ الهندسي من خلال تحديد مناطق الضعف والفجوات في الطبقات الأرضية وتقديم معلومات جيولوجية موقعية ولأعماق تعتمد على حجم ونوع المنشأ ونوعية الطبقات وقابلية تحملها ومستوى المياه الجوفية لتفادي المشاكل المتوقعة عند بناء المنشأ الهندسي، وكذلك في تحديد المواقع الملائمة لإنشاء المشاريع الضخمة مثل الأنفاق والسدود لتفادي مشاكل الانزلاقات والهزات الأرضية وفي مراقبة جسم السد بعد الإنشاء من خلال مجموعة من الأجهزة الخاصة. وفي مجال الطرق والجسور يلعب علم الجيولوجيا دوراً رئيسياً في تخطيط الطرق بالاعتماد على الخرائط الجيولوجية والجغرافية والصور الجوية المتوفرة بالإضافة إلى دوره في تحديد موقع المواد الأولية المستخدمة في أعمال البناء ورصف الطرق. وفيما يخص البيئة فإن دراسة الجيولوجيا تساعد في تحديد المخاطر الجيولوجية التي تهدد البيئة ومصادر التلوث الطبيعية والصناعية واقتراح الحلول للتخفيف من آثارها على الإنسان والبيئة.

وفي مجال الزراعة تمكننا دراسة الجيولوجيا من معرفة أنواع التربة وتركيبها ومصدرها وخصائصها واكتشاف مصادر المياه الجوفية وأعماقها وإنشاء القنوات الزراعية. ولعلم الجيولوجيا دور مهم في العمليات العسكرية والحروب حيث تقع على الجيولوجي مسؤولية كبيرة في التعرف على تضاريس أرض المعركة والاستفادة منها في الدفاع والهجوم وتحديد الطرق السهلة التي يستطيع أن يسلكها الجنود واختيار أفضل المناطق لحفر الخنادق والملاجئ وفي شق الطرق وبناء الجسور واختيار الأماكن الملائمة لإقامة مهابط ومدرجات للطائرات وكذلك اختيار أفضل المناطق لحفر الآبار الارتوازية من أجل الحصول على المياه الجوفية خاصة في المناطق الصحراوية، كما يمكنه من خلال الخرائط الطبوغرافية وتحليل بيانات الصور الجوية الحصول على معلومات عن تضاريس أرض العدو والاستفادة من هذه المعلومات في إعداد الخطط العسكرية. وفي مجال الأدلة الجنائية يمكن استخدام الطرق الجيولوجية والجيوفيزيائية في تحديد موقع المخابئ التي تستخدم لتخزين الأسلحة والمخدرات وكذلك تحديد موقع القبور القديمة غير المعروفة سواء كانت فردية أم جماعية وتحديد موقع الجريمة من خلال تشخيص الدليل المدفون باستخدام بعض الطرق الاستكشافية.

وبين علم الجيولوجيا والطب رابط مهم صُنّف من خلاله تخصص يُدرس في كبرى جامعات العالم يُعرف بالجيولوجيا الطبية، وهذا التخصص من أحدث العلوم في وقتنا الحاضر وقد خطت كثير من الدول فيه خطوات كبيرة وتطورت في أبحاثه ودراساته بشكل لافت ومميز، ويهتم تخصص الجيولوجيا الطبية بشكل رئيسي بالأمراض المنتشرة في المجتمع ومسبباتها من زيادة تركيز العناصر والمعادن الطبيعية في جسم الإنسان وفهم تأثير العوامل البيئية على التوزيع الجغرافي لهذه المشاكل الصحية. وأكثر ما دفع إلى إحداث الشراكة بين الجيولوجيا والطب هو تفشي الكثير من الأمراض التي صعب حلها من جانب واحد حيث وجدت الكثير من الحالات ناتجة عن مشاكل في الطبيعة أساء الإنسان استخدامها، ومن الأمثلة الشائعة تلوث المياه الجوفية التي سببت أمراضاً كثيرة بسبب احتوائها على عناصر سامة أو استخدام بعض أنواع الصخور الحاملة لعناصر مشعة وغيرها الكثير. هذه العلاقة بين الجيولوجيا والعلوم الأخرى أحدثت نقلة نوعية في كيفية ربط العلوم لمواجهة الأخطار الناتجة عن الطبيعة وغيرها من الأخطار التي يدخل بحدوثها الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأخيراً يمكننا القول بأن رخاء وتطور وازدهار المجتمعات يكون مرتبطاً بما يكتشفه الجيولوجيون من ثروات ترتبط بالطاقة المحركة للنشاط الصناعي والمياه وغيرها من الثروات التي ترسم ملامح التطور والتقدم لأفراد المجتمع.