Preaload Image
Back

كلية العلوم  |  جامعة ديالى

المقال العلمي الاسبوعي  

مفهوم التقانة الاحيائية

بقلم م.د عصام حامد حميد

رئيس قسم  التقانة الاحيائية/ كلية العلوم / جامعة ديالى

نشأ علم التقانة الاحيائية مع بداية نشوء الزراعة لدى الانسان الاول حين استشعر تجربة تلف الطعام بسبب التلف الميكروبي وهو ما يعرف اليوم بفساد او تلف الاغذية Food spoilage. ادى هذا الاستنتاج غير المقصود الى حفظ الطعام بطرق اخرى مثل طريقة التجفيف او زيادة تركيز السكر. لقد عثر على العديد من الوثائق والرسومات في المدن التي تاسست في اولى الحضارات القديمة تتحدث عن تحضير الخبز والبيرة والنبيذ والاجبان ودبغ الجلود وغيرها وذلك باستخدام مبادىء التقانة الاحيائية حيث لم يكن الانسان حينها يعرف شيئا عن السبب وراء ظهور كل تلك المنتجات المفيدة.

طورت الاديرة في اوروبا في بداية القرن السادس صناعة البيرة والتخمير والخبز والجبن. بيد ان التطور الملموس للتقانة الاحيائية جاء نتيجة ولادة علم الاحياء المجهرية Microbiology وتبلور ذلك بوضوح في الحربان العالميتان الاولى والثانية اذ مثلت التحدي الاكبر لعلماء الاحياء المجهرية الاوائل في تاسيس وانشاء التقانة الاحيائية الصناعية الحديثة التي تعتمد على منتجات مثل المذيبات العضوية ومضادات الحياة.

جاءت اكتشافات مندل (1822-1884)Gregor Mendel  الوراثية وما تبعها من اكتشافات وراثية مهمة تبلورت في الاكتشاف الاعظم لتركيب  DNAثلاثي الابعاد من قبل واطسن وكريك Watson and Crick عام 1953 الى بلورة علم الحياة الجزيئي Molecular Biology الذي اصبح فيما بعد القاعدة او الركيزة التي استند عليها علم التقانة الاحيائية في نشوء الهندسة الوراثيةGenetic Engineering  وذلك خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

في عام 1980 نشر تقرير حكومي بريطاني عن التقانة الاحيائية عرف انذاك باسم تقرير سبنكس (The Spinks Report) ذكر ان علم الحياة Biology سيقدم احدى الصناعات التي ستضع بصمتها الواضحة على الحضارة البشرية في القرن الحادي والعشرين مثلما قدمته الصناعات التي اعتمدت على علوم الكيمياء والفيزياء في القرن العشرين وان تلك “الصناعة” التي قصدها هذا التقرير هي “التقانة الاحيائية”.

جاء هذا التتويج كمحصلة لقوة الهجين الناجمة عن تزاوج علم الحياة مع علوم الفيزياء والكيمياء مكننا من دراسة ظواهر الحياة المختلفة على المستوى الجزيئي والتعرف على المكونات الخلوية وعلى راسها المادة الوراثية. تبلورت دراسات علم الحياة الجزيئي في النصف الثاني من القرن العشرين والذي يعد الاساس الذي بنيت عليه كل انجازات الهندسة الزراثية والتقانات الاحيائية الحديثة.

ان فلسفة علم التقانة الاحيائية تنطلق اولا من ظواهر الحياة Phenomenon of Life  الموجودة اصلا في الطبيعة اي بمعنى ان هذه الظواهر لم تخلق او تكتشف من قبل الانسان انما تمت دراستها من قبله. وهذا يعني ان علم التقانة الاحيائية يختلف عن علوم التقنيات technologies التي بعكس التقانة الاحيائية هي نتاج بشري تبلور من اكتشافات واختراعات لنتاجات مفيدة الانسانية لم تكن اصلا موجودة في الطبيعة.

وضعت عدة تعاريف لمفهوم التقانة الاحيائية بدأها اول مرة المهندس الزراعي المجري Karl Ereky (1878-1952)  الذي لقب ب “ابو علم التقانة الاحيائية” تقديرا له وهو الذي ادخل ولاول مرة مصطلح Biotechnology عام 1919. ونشر ذلك رسميا تحت عنوان:

“Biotechnology of Meat, Fat and Milk Production in Large Scale Agricultural Enterprise”.

وقد صاغ كارل اركي كلمة Biotechnology لتشمل التداخل الوثيق لعلم الحياة Biology مع علم التقنية Technology .

استخدمت كلمة Biotechnology في اللغة الانكليزية لاول مرة في مقالة بعنوان “Biotechnology” ظهرت في المجلة المرموقة Nature  علم 1933 ولم ترد الكلمة نفسها في كل متن المقالة بل وردت كلمات اخرى بدلا عنها في عدة مواضع من المقالة لابرازها مثل biotechnik، biotechnic، bioteknologi و biotechnology. تطور مفهوم علم التقنانة الاحيائية ووضعت له عدة تعريفات اختلفت شكليا لكنها توافقت على جوهر العلم وهو استخدام الانظمة الحية في انتاج مواد او خدمات مفيدة للانسان. قد تشمل الانظمة الحية كائن حي او خلايا حية او تراكيب خلوية مثل البروتينات والاحماض النووية (شكل 2). وبناء على هذا المفهوم المبسط فقد قاد ذلك الى الاستنتساج بان علم التقانة الاحيائية هو علم تطبيقي ذو بعد اقتصادي من خلال وضع مخرجاته الانتاجية موضع التسويق التجاري بدلا من حيز المختبر التجريبي. وفيما يلي امثلة لتعريفات علم التقانة الاحيائية وضعت من قبل مؤسسات ومنظمات عالمية:

United States National Science Academy:

“Controlled use of biological agents like cells or cellular components for beneficial use”

The European Federation of Biotechnology (EFB):

“The integration of natural sciences and organisms, cells, parts thereof, and molecular analogues for products and services”

Food and Agricultural Organization (FAO):

“The use of biological processes or organisms for the production of materials and services of benefit to humankind. Biotechnology includes the use of techniques for the improvement of the characteristics of economically important plants and animals and for the development of microorganisms to act on the environment”

من التعاريف انفة الذكر وغيرها يتضح المفهوم الواسع لعلم التقانة الاحيائية في تطبيق العلوم الحياتية الاخرى وتداخله مع علوم مهمة مثل الكيمياء الحياتية والهندسة الكيمياوية والوراثة وغيرها فضلا عن نظم التسويق وادارة الموارد التي تطبق.

ختاما، ان التقانة الاحيائية في القرن الحادي والعشرين سوف تساهم بشكل كبير في تطور ورفاهية العديد من بلدان العالم في العقود القليلة القادمة من خلال تطوير المستوى المعيشي والصحي عن طريق تحسين نوعية الغذاء ومستوى انتاجه وتطوير ادوية جديدة فعالة واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام ومقنن فضلا عن ايجاد بيئة نظيفة للمنظومة الحياتية ككل.

والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……

للاطلاع على المقالات السابقة اضغط هنا