Preaload Image
Back

كلية العلوم  |  جامعة ديالى

المقال العلمي الاسبوعي

“الالتهام الذاتي–autophagy ” العملية الأساسية في الخلايا التي يتم استخدامها لمكافحة الأمراض السرطانية والخرف

بقلم  الدكتور مثنى عبد القادر صالح / قسم علوم الحياة

كلية العلوم / جامعة ديالى 

لماذا منح الدكتور اوسومي جائزة نوبل في الطب لعام 2016 وماذا تعرف عن اللتهام الذتي) 

الحدث العلمي العالي الأبرز خلال هذا الشهر إعلان الفائز بجائزة نوبل في الطب  والفيزيولوجيا لعام 2016 ، حيث منحت للعالم الياباني يوشينوري أوسومي بفضل أبحاثه في “التدمير الذاتي” للخلايا واكتشافه آلية الالتهام الذاتي التي أدت دورا حاسما في فهم تجدد الخلايا وردة فعل الجسم على الجوع والالتهابات. قبل 42 عاما من اليوم، حاز العالم البلجيكي ” كريستيان دي دوف” جائزة نوبل في الطب، لاكتشافه عضي جديد في الخلية يعرف بـ ”الليسوسوم”، والذي يحوي بداخله إنزيمات قادرة على هضم كل من البروتينات، الكربوهيدرات والدهون في الخلية. وخلال الستينيات كانت ملاحظات العلماء تتزايد عن وجود أجسام صغيرة تنقل بداخلها عضيات كاملة من الخلية مثل “الميتوكوندريا” إلى ليسوسومات دي دوف، حيث يتم هضمها كليًا، أطلق دي دوف على تلك الأجسام الجديدة اسم “عضيات الالتهام الذاتي”autophagosome ، وعلى تلك العملية ككل عملية “الالتهام الذاتي”، إلا أن الكثير من الألغاز لم تكن لتتكشف بعد عن سر تلك الآلية وأهميتها.

افتتح الدكتور أوسومي معمله الخاص عام 1988، مكرسًا نفسه لدراسة ما أسماه ” أساسيات علم الخلية”، محولًا اهتمامه لعملية الالتهام الذاتي، التي وفقا لوصفه ( لم تكن لتجذب انتباه أحدهم حينها). فكر أوسومي في دراسة الالتهام الذاتي في خلايا الخميرة كنموذج مثالي، حيث تحوي الخميرة على عضي كبير يعرف بـ “الفجوة” –vacuole– ، ظن العلماء لفترة طويلة أنها مجرد مخزن لفضلات الخلية، إلا أن أوسومي استطاع من خلال تعطيل إنزيمات الفجوة الهاضمة، أن يلاحظ تراكم العديد من أجسام الالتهام الذاتي التي تحدث عنها دي دوف، والتي تراكمت بعد تعريض الخلايا لظروف قاسية من قلة المغذيات، ليوضح بذلك أهمية واستمرارية عملية الالتهام الذاتي في إعادة تدوير مكونات الخلية. لم يكتف أوسومي بذلك، حيث استطاع الكشف عن قرابة 15 جينًا يتدخل في ميكانيزم الالتهام الذاتي، لتفك شفرات اللغز رويدًا رويدًا، مع الكشف على البروتينات الهامة لتنفيذ وتنظيم تلك العملية الحيوية في الخلية. وخلال العقود التالية، تواردت العديد من الأبحاث التي تربط الأعطاب التي تصيب عملية الالتهام الذاتي، بأمراض خطيرة مثل السكري والسرطان، فيما كشفت دراسات أخرى عن محورية تلك العلمية في عمليات أساسية في الجسم، من مثل تشكل الأجنة، وعملية تمايز الخلايا.

ان مصطلح “الالتهام الذاتي” معروف منذ أكثر من 50 عاما، لكن لم تحدث طفرة في فهم أسرار هذه العملية إلا بعد أن بدأ الدكتور أوسومي أبحاثه وتجاربه بشأنها من خلال خميرة الخبز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ، وأن ارتباطها الوثيق بالطب، والآمال في علاج أمراض عصيبة من خلال استهداف تلك الآلية، لم تكن لتحدث لولا الإنجازات المميزة لأوسومي خلال العقود الماضية.

 هو (الالتهام الذاتي –autophagy) آلية جزيئية خلوية تكمن أهميتها في هضم الأجزاء المعطوبة من الخلية، و من ثم إعادة تدويرها للاستفادة منها في وظائف مختلفة أو استخدامها كغذاء لإنتاج الطاقة الضرورية للخلية، كما أنها تعتبر آلية دفاعية مميزة تسمح بمواجهة الجوع والتصدي للأجسام الدخيلة على الخلية، كالبكتيريا أو الفيروسات.، بالإضافة إلى التخلص من الخلايا التالفة القديمة لتكوين خلايا جديدة. ويسبب الخلل في عملية “الالتهام الذاتي” العديد من الأمراض في سن الشيخوخة. وهي العملية الأساسية في الخلايا التي يتم استخدامها لمكافحة الأمراض السرطانية والخرف. وتجري حاليا ابحاث مكثفة لإنتاج أدوية قادرة على استهداف “الالتهام الذاتي” لعلاج أمراض مختلفة بينها السرطان.

وكون عملية الالتهام الذاتية تستمر على نفس حالتها من الخميرة للإنسان، فإن اكتشافات أوسومي المختبرية وفرت أيضا أدوات مهمة للعديد من المختبرات للمساعدة في الفهم الجيد للأدوار المهمة للالتهام الذاتي في عمليات فيسيولوجية وأخرى متعلقة بالأمراض تشمل الأمراض المعدية وأمراض السرطان، والعديد من الأمراض العصبية مثل مرض هنتنغتون وأشكال من مرض باركنسون. وفي الواقع، فإن المعالجة الجيدة لعملية الالتهام الذاتي قد توفر استراتيجية رئيسية لمعالجة بعض هذه الحالات.

والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……

للاطلاع على المقالات السابقة اضغط هنا