كلية العلوم | جامعة ديالى
المقال العلمي الاسبوعي
أخطار زيادة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية على البشر
بقلم المدرس المساعد لينا عبد الامير سلمان/ التدريسي في قسم علوم الحياة
كلية العلوم / جامعة ديالى
أصبحت ظاهرة انتشار مقاومة أنواع متعددة من البكتيريا المعدية للإنسان ضد المضادات الحيوية أحد أهم المشكلات التي تقلق الأطباء والعاملين في مجال صحة الإنسان والحيوان في معظم دول العالم ، ومنها خاصة البلدان النامية التي لا تستطيع دفع أثمان أدوية المضادات الحديثة والغالية الثمن . وستؤدي هذه الظاهرة في المستقبل القريب الى أنتشار أوبئة العدوى بعدد من الميكروبات المعدية الخطيرة كالتي تسبب مرض السل والتهابات الدم والسحايا والتي كانت بالماضي القريب سهلة العلاج والسيطرة عليها ، وهذا بدوره سيؤدي الى زيادة نسبة الوفيات بين المرضى والاطفال بصورة خاصة. وقد ذكر تقرير المنتدي الأقتصادي العالمي لعام 2013، أن ظاهرة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية تعتبر أحد الأخطار الهامة التي ستواجه شعوب العالم خلال السنوات القادمة.
وسيركز المقال التالي فقط على ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ، هذا مع العلم بان أنواع الميكروبات المعدية الاخري للإنسان والحيوان، من فطريات وطفيليات وفيروسات، قد تطورت مقاومتها ايضا ضد كافة الأدوية التي تستعمل بعلاجها، ولكن ليس بنفس السرعة والمعدل الذي يشاهد بين أنواع البكتيريا المعدية التي تنتشر بين البشر والحيوانات والطيور في الوقت الحاضر. زيادة فشل المعالجة والوفاة:عمليا أصبحت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية خلال السنوات العشر الأخيرة، أحد أهم أسباب زيادة حالات فشل معالجة الالتهابات والأمراض البكتيرية بجميع أنواعها، ومنها خمج الدم، ومسببات الاسهالات ، والتهابات الجهاز التنفسي والبولي، ومرض السل الرئوي وغيرها، ما نتج عن هذه الظاهرة الخطيرة زيادة كبيرة في نسبة مضاعفات المرض، وزيادة أقامة المرضى والوفيات في المستشفيات.
وكمثال يشير أحد التقارير في الولايات المتحدة لعام 2011، أن كل عام يموت ما يقارب من مائة الف مريض، نتيجة أصابتهم باحد الميكروبات المعدية، ويقدر أن 70% منهم يموتون فعليا بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. زيادة تكلفة علاج المريض:تبين العديد من الدراسات والأبحاث العلمية الموثقة والتي تنشر تباعا في المجلات الطبية العالمية،أن زيادة أنتشارسلالات البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات داخل المستشفيات وخارجها تزيد كلفة علاج المرضى الى الضعف وأكثر، وهذه التكلفة الزائدة تقدر بعشرين بليون دولار سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها، حسب تقرير صادرعام 2011. وكمثال نشير أنه في الماضي القريب، وقبل عشرين عاما فقط، كانت تكلفة علاج المريض المصاب بالتهاب المجاري البولية العادي تتراوح ما ين 10-20 دولارا أمريكيا في معظم البلدان العربية، وحاليا قد تصل تكلفة العلاج الى الف دولار وأكثر، إذا أصيب هذا المريض بنوع من البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية، وقد لا يشفى المريض من الإصابة طوال حياته ويعاني من مضاعفات المرض.
سوء وكثرة استخدام المضادات الحيوية: تؤكد غالبية الدراسات العلمية العالمية، بأن زيادة انتشار مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية يترافق تصاعدياً مع كثرة وسوء استخدام المضادات الحيوية عند الإنسان والحيوان، وخاصة في البلدان التي يسهل فيها شراء أدوية المضادات بدون وصفة طبية من الصيدليات، كما هو الحال في معظم الدول العربية والنامية. كما ينتشر في عد كبير من دول العالم سوء وكثرة استعمال أدوية المضادات في مزارع الطيور والأسماك والحيوانات التي يستهلك لحومها البشر، وذلك بغرض حمايتها من الأمراض أو زيادة أوزانها بسرعة، هذا مع العلم بأن هناك حاليا أنواع خاصة من المضادات الحيوية تصنع لهذا الغرض، ويمكن استعمالها بدل المضادات الحيوية المخصصة للبشر، وهذه الأدوية ثبت أنها تساعد نسبيا على خفض زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. وتؤكد الدراسات والأبحاث العلمية من مختلف بلاد العالم، ومنها البلدان العربية، بأنه ينتشر أحياناً داخل المستشفيات عددا من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يصعب السيطرة عليها أثناء عدوى المريض بها، مما يجبر الطبيب على علاج المريض بعدة أنواع من المضادات الحيوية القوية المفعول، والتي قد تؤدي الى مضاعفات جانبية تؤثر على جسم المريض في المستقبل.
أسباب ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية:
أثبت الأبحاث بأن خلية البكتيريا الصغيرة الحجم والتي لا يمكن رؤيتها بالعين مباشرة، أي بدون استعمال الميكروسكوب، لا يزيد متوسط طولها عن جزئين من الميكرون. وهذه الخلية تتميز بأنها تحتوي على شريط حلقي مزدوج من المادة الوراثية الدنا/DNA، والذي يعرف بالكرموسوم والذي يحتوي غالبا على 3000 الى 4000 من الجينات التي تمثل عامل الوراثة في الخلية. وجينات الخلية تسيطر عمليا على كل نشاطات الخلية الحيوية من نمو وتكاثر بما فيها مقاومة المضادات الحيوية . ولذلك عندما تتعرض خلايا البكتيريا الى أدوية المضادات والمطهرات الكيميائية، تقوم الخلايا بمساعدة الجينات بتطوير مقاومة نوعية ضد نوع أوأكثر من المضادات، مما يؤدي الى تكوين سلالات جديدة مقاومة (طفرات /Mutants)، وهذه بدورها تبدأ بأفراز أنزيمات/خمائر تمنع تأثير المضاد الحيوي عليها. ومن أشهر هذه الأنزيمات التي تفرزها البكتيريا، مجموعة البنسلينات التي أشتق أسمها من دواء البنسلين والتي يزيد أنواعها عن الخمسين، وجميعها تستطيع وقف عمل كل أدوية البنسلين Penicillin والسيفالوسبورين Cephalosporin ومشتقاتهما الكثيرة والتي كانت تستعمل في الماضي القريب بشكل واسع وناجح في علاج معظم أنواع البكتيريا المعدية للإنسان. وتختلف الفترة الزمنية اللازمة لظهور سلالات البكتيريا المقاومة حسب نوع التركيب الكيماوي والبيولوجي للدواء المستعمل، بالإضافة الى نوع وصنف البكتيريا، ومكان تكاثرها في الجسم الحيوي أو في الطبيعة. ومن المعروف علميا بأن أمعاء الإنسان والحيوانات والطيور والمياه الملوثة مثل مياه المجاري، تعتبر أماكن مثالية لظهور سلالات بكتيرية جديدة مقاومة للمضادات الحيوية.
أنتشار سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية:حالما تظهر سلالة جديدة من البكتيريا مقاومة لمضاد حيوي واحد أو أكثر، يسهل عليها فيما بعد أن تنقل هذه المقاومة الى سلالات أنواع البكتيريا الأخرى، ويسهل أنتقال المقاومة للمضادات لكون خلايا البكتيريا تحتوي على مكونات وراثية صغيرة الحجم بجانب الكرموسوم، تسمى البلازميداتPlasmids- والترانسبوزونات- Transposons ، وكلاهما يتكون من عدد قليل من الجينات لا يزيد عادة عن مائة جين، وهما يشتركان على جمع ونقل الجينات المقاومة لواحد أو أكثر من المضادات الحيوية بين سلالات البكتيريا المتشابهه. وهذه الجينات التي تحمل صفات المقاومة للمضادات تبقى مستقرة في السلالات الجديدة، وما ينمو منها في المستقبل. ومن الصعب أن تعود طفرة السلالة المقاومة للمضاد أو المضادات الحيوية لحالتها السابقة. ومما يذكرأن غالبية سلالات البكتيريا المقاومة تستقر عادة في أمعاء الإنسان والحيوان لمدة طويلة، وتنتشر مع الفضلات الى مياه المجاري والتربة، ومنها الى مصادر المياه الجوفية والسطحية وتلوث الخضروات الورقية والتربة التي تسقى بمياه المجاري، ومن ثم تعود مرة ثانية مع الطعام والماء الى أمعاء الإنسان والحيوان. وتشير معظم الدراسات العلمية والمنشورة حديثا، أن معظم أنواع البكتيريا التي تعيش عادة بصورة أليفة في جسم الإنسان، تبدأ بالتدريج، وعبرعدة سنوات في تطوير مقاومة للمضادات الحيوية، وخاصة أثناء كثرة استعمالها في معالجة الأمراض التي تسببها البكتيريا. وحاليا، هناك عددا من أنواع البكتيريا التي تعيش بصورة أليفة في أمعاء الإنسان، أصبحت تسبب معظم حالات العدوى في المستشفيات، وأصبح من الصعوبة السيطرة عليها بالمضادات الحيوية، وقد تؤدي العدوى بها أحيانا الى موت المريض، لكون المضادات الحيوية المتوفرة لا تستطيع القضاء عليها. ويبقى السؤال الهام، هل ستنتصر البكتيريا على المضادات الحيوية في المستقبل القريب؟ وما العمل لوقف أنتشار مقاومة البكتيريا للمضادات؟ تؤكد الدراسات والابحاث العلمية الحديثة، بأنه ينتشرحاليا في العالم عددا من سلالات البكتيريا المعدية التي تستطيع مقاومة معظم أصناف المضادات الحيوية المتوفرة للعلاج، كما تبين هذه الدراسات أن معدل أنتشار سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات يزداد تصاعديا ولا يقل مع مرور السنوات.
وهناك خوف ينتشر بين الاطباء والعلماء، من أن تصبح غالبية المضادات الحيوية المتوفرة لعلاج أمراض الإنسان غير صالحة للإستخدام خلال المستقبل القريب. ومن المهم أن نعرف بأن الوسائل العملية المتاحة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة و التي أصبحت تميت وتهدد حياة الآلف من البشر، محصورة حاليا بمنع كثرة وسوء إستخدام المضادات الحيوية في كافة العلاجات البشرية وفي تربية الحيوانات والطيور الداجنة والأسماك. ومن الضروري أن يتم تثقيف المواطن العادي، بأن لا يستعمل المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، وان يتقيد بتعليمات استعمالها حسب نصائح الطبيب. ومن المفروض أن يعرف كل شخص، بأن أدوية المضادات الحيوية، هي الأدوية الوحيدة التي تتميز بأن صفة استعمالاتها تتعدى خصوصية المريض الذي يتناولها، لأن استعمالها عمليا يؤثر بصورة غير مباشرة على جميع أفراد المجتمع نتيجة تطور سلالات بكتيرية جديدة مقاومة للمضادات الحيوية، وهذه بدورها تستطيع أن تنتقل بسهولة من شخص الى آخر.
والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……
للاطلاع على المقالات السابقة اضغط هنا