كلية العلوم | جامعة ديالى
المقال العلمي الاسبوعي
هل الرياضيات جزء مكتشف من الكون أم انها اختراع بشري اصيل بقلم الدكتور ليث عبد اللطيف مجيد /رئيس قسم علوم الرياضيات كلية العلوم / جامعة ديالى |
لقد عملت البشرية وعلى مر العصور على اختراعات واكتشافات غيرت حياتنا بشكل كامل في شتى المجالات , في الفضاء, علم الذرة , هندسة الوراثة , وعالم الانترنيت وغيرها من الأمثلة الأخرى التي لا حصر لها. ولكن لماذا الرياضيات دائما وراء كل هذه العلوم الحديثة؟ يقول العالم الشهير غاليلو ان الكون عبارة عن كتاب كبير كتب بلغة الرياضيات لذلك أطلق عليه لغة الكون وربما يكون اعظم انجاز للحضارة . ولكن من اين اتت الرياضيات ؟ ولماذا تبلي الرياضيات هذا البلاء العظيم في العلوم؟ ان علمنا المادي لا يملك بعض الخصائص الرياضية وحسب وانما مبني على الخصائص الرياضية بصورة بحتة. فماذا نعني بذلك؟ لطالما نظر البشر الى الطبيعة عبر الأزمان وبحثو عن الأنماط من اجل ربط كل ماموجود من حولهم بصورة منطقية ومقبولة وغير عشوائية. لقد راقب الانسان الأيام وهي تتحول من نهار الى مساء وتعود الى نهار, وتوالي الفصول واطلق على هذا النمط الزمن, وكذلكدرس الاانماط الموجودة في الجسم البشري وغير ذلك الكثير والكثير من الأنماط الموجودة في النبات والحيوان. ولكن مالذي تخبرنا به الأنماط؟ عندما يسعى العلماء لفهم انماط عالمنا فغالبا مايعودون الى وسيلة قوية وهي الرياضيات, يقيسون مشاهداتهم ويستخدمون تقنيات رياضية لاختبارها آملين في اكتشاف المسببات الخفية لايقاعات الطبيعة وانتظاماتها. لقد تمكنت الرياضيات مثلا من اكتشاف السر وراء المدار الاهليجي للكواكب الى الموجات الكهرومعناطيسية التي تربط هواتفنا كما لقد وجهت الرياضيات الطريق حتى اوصلتنا الى مستوى اللبنات الذرية للمادة, مما يثير التساؤل لماذا تعمل الرياضيات من الاساس؟ هل هناك طبيعة فطرية للواقع ؟ ام ان الرياضيات بمجملها في ادمغتنا؟ فاذا نظرنا الى الطبيعة فسنجد ارقاما تحيط بنا في كل مكان. فعلى سبيل المثال هناك زهور لها ثلاث بتلات أو خمسة وقد تملك بعضها 24 بتلة او 55 وقد تبدو هذه كاعداد عشوائية ولكن جميعها جزء بما يسمى ب ” متتالية فيبوناتشي” وهي سلسلة أرقام طورت بواسطة عالم رياضيات من القرن الثالث عشر وهي متسلسلة تظهر كثيرا في عالم النبات فمثلا اذا نظرنا الى زهرة عباد الشمس وقمنا باحتساب عدد الحبات الموجودة في كل مسار حلزوني فنجد انه ايضا يأخذ نمط هذه المتسلسلة وهذا مثال واحد من العديد من الامثلة للنباتات التي تتبع نمط هذه المتسلسلة .
ومثال آخر جميعنا يعرف الرقم باي من الهندسة وهو النسبة بين محيط الدائرة وقطرها وارقامه العشرية اللانهائية من دون نمط متكرر والتي حتى سنة 2013 تم حسابها 12.1 ترليون خانة. لكن وبطريقة ما يظهر في مجموعة كاملة من الظواهر الأخرى والتي في ظاهرها ليست على علاقة بالدوائر أو أي شيء ويظهر على وجه الخصوص في نظرية الأحتمالات, كما انه طول الأنهار الفعلي مع شقها لطريقها من منابعها الى مصباتها مقارنه بالمسافة مبشرة تبدو في المعدل مساويه الى باي , كما ان نماذج اي شيء يتضمن موجات ستحوي باي فيها. كل هذا هو مثال لشبكة رياضيات واسعة ومتداخلة. ان الدليل على القوة التنبؤية للرياضيات واصل النمو خصوصا في علم الفيزياء حتى يومنا هذا, ففي سويسرا المنظمة الدولية للابحاث النووية وهم مشهورين بفضل مصادم الهادرونات الكبير الخاص بهم وهو مسرع جسيمات بني عميقا تحت الأرض, أطلق مشروع العشرة مليار دولار والذي استغرق بناءه عقودا هدفه البحث عن جسيم دون ذري تم التنبؤ بوجوده رياضيا قبل حوالي خمسين عام بواسطة روبرت براوت وفرانسو انجلير العاملين في بلجيكا .
ويرى العديد من الفيزيائيين دقة خارقة بالطريقة التي تكشف بها الرياضيات اسرار الكون جاعلة منها تبدو جزء متأصل من الطبيعة. وهنا نطرح السؤال اذا أي منها هل الرياضيات جزء مكتشف من الكون أم انها اختراع بشري أصيل أو انها خليط معقد من كلاهما.
والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……