كلية العلوم | جامعة ديالى
المقال العلمي الاسبوعي
الكهوف والظواهر المصاحبة لها بقلم الدكتور معتضد مجيد حميد / التدريسي في قسم جيولوجيا النفط والمعادن جامعة ديالى/ كلية العلوم |
تعتبر الكهوف من أجمل الظواهر التي تتكون بفعل المياه الجوفية تحت الارض وذلك بأذابة كميات هائلة من الصخور الصلبة خلال نزولها باتجاه الاسفل بفعل الجاذبية , ان الاشكال التي تخلفها مع مرور الزمن تكون اشبه بغرف كبيرة ودهاليز وقنوات لمجاري المياه, ومن هذه الكهوف الرائعة الموجودة خصوصاً في كردستان عراقنا الحبيب التي تشكل مقصداً للسياح والباحثيين على حد سواء, مثل كهف شاندر, هزارميرد, هوديان, بيخال وكهوف جبال رانية وجبال كارة متين وغيرها .
ان الكهوف وبمختلف احجامها في حالة تطور وذلك بسبب تكونها في صخور قابلة للذوبان بفعل المياه الجوفية مثل صخرة الحجر الجيري Limestone (CaCO3) واخرى ذات تواجد اقل مثل صخرة الدولومايت Dolomite CaMg(CO3)2 و الصخور الحاوية على الجبس Gypsum CaSO4,2H2O وطبعا لا ننسى الصخور الملحية NaCl التي تكون ضحية سهلة لمحاليل المياه الجوفية لأذابتها تاركة وراءها فجوات وتكهفات تعلوها طبقات صخرية قبل ان تتعرض الاخيرة للتعرية والتآكل لتفتح فتحة الكهف للخارج لتصبح مظهراً واضحاً على السطح . ان الكلسايت Calcite CaCO3 هو المعدن الاساسي المكون الاساسي للحجر الجيري وهو غير قابل للذوبان في المياه النقية المتعادلة , ولكن عندما يتعرض هذا المعدن لتأثير مياه حاوية على نسبة حتى وان كانت قليلة من حامض الكربونيك H2CO3سوف يتعرض للتحلل والتآكل وهذه العملية تسمى التجوية الكيميائية . ان معظم مياه الساقط المطري تكون حاوية على نسبة من حامض الكربونيك وذلك بسبب حل ثاني اوكسيد الكاربون CO2 في قطرات المطر في الجو. هذا الحامض المخفف الناتج سوف يتفاعل مع معدن الكلسايت Calcite لينتج بيكربونات الكالسيوم Ca(HCO3)2 , والناتج الذائب سوف ينقل ويعاد ترسيبه مرة اخرى عند ملائمة الظروف الكيميائية لذلك او ينقل بعيداً ليصرف في النهاية في البحار والمحيطات. لا شك بأن الظواهر الاولية لذوبان الصخور الجيرية عادة ما تظهر على طول مستويات الضعف في الصخرة مثل مستويات التطبق والكسور , حيث يتخلل الماء هذه الخطوط محللاً لبعض الصخور ومكبراً للفجوات فيها, وهذه الفجوات ستكبر شيئاً فشيئاً مع استمرار مرور المياه الجوفية الغنية بالمحاليل حتى يتشكل اخيراً فراغات على شكل غرف كبيرة داخل الطبقات الصخرية. الا انه يوجد هناك تساؤل كان محطاً للعديد من الاراء الجيولوجية, هل عملية تكون الكهوف كانت تحت مستوى سطح المياه السائد water table في المنطقة ام مع هذا المستوي او فوقه , ان اكثر الاراء قبولاً هو ان العملية تحدث تحت مستوى سطح المياه الجوفية و بعد تكون التكهفات ينخفض مستوى الماء لقلة التجهيز بالمياه لتنكشف معالم الكهف فوق سطح المياه ليملأ الكهف بالهواء.
بعد ذلك سوف تبدأ عملية تشكل معالم غريبة وخلابة في سقوف هذه الكهوف بسبب عملية التنقيط الحاصلة للمياه الجوفية النازلة من السقف مبلورة لمعدن Calcite بفعل ترسيب الكربونات والتهوية المستمرة المؤدية للتبخر الماء وهروب ثاني اوكسيد الكاربون مما يزيد في نمو بلورات المعدن وتماسك الاشكال العمودية الابرية النازلة من سقف الكهف والتي تسمى الستلكتايت Stalactites . وتراكيب اخرى تنمو بفعل تنقيط المياه الجوفية من السقف ايضاً ولكن تنمو بالعكس من ارضية الكهف صاعدة باتجاه الاعلى تسمى الستلكمايت Stalagmites وعندما تستمر هذه العملية تؤدي الى التقاء الستلكتايت والستلكمايت مكونة اعمدة تبدأ بالتضخم مع مرور الوقت .
ان الكهوف لاتحدث فقط في المناطق الجبلية وانما في المناطق المنبسطة او الشبه المنبسطة وذلك أيضاً عند تواجد فيها طبقات من الصخور القابلة للذوبان حيث تتكون تحت سطح الارض منخفضات بسبب اذابة المياه الجوفية لهذه الصخور ,حيث لاحقاً سوف تنهار الطبقات الصخرية السطحية مكونه حفر عميقة تسمى Sinkholes والتي تتصرف بها المياه الجوفية ومياه الامطار , او احياناً تحصل عرقلة في تصريف هذه المياه بسبب الانهيارات الصخرية تحت الارض مما يؤدي بالنتيجة لتكوين بحيرات صغيرة على نطاق محلي. ان بعض هذه التخسفات تشكل لاحقاً احواضاً لترسيب المعادن والخامات الاقتصادية المهمة كما في خسفات الكارست Karst الحاوية على ترسبات البوكسايت Bauxites (خام الألمنيوم) في غرب العراق, اما اذا كانت باحجام كبيرة واعماق اكبر وقريبة من الصخور المولدة للهيدروكاربونات فممكن أن تصبح هذه الكهوف خزاناً لتجمع النفط والغاز .
وختامها مسك فقد سميت سورة في القرآن العظيم بأسم الكهف الذي آوى اليه الفتية المؤمنون , لقوله تعالى : (( إِذْ أَوَى الْفِتْيَة إِلَى الْكَهْف فَقَالُوا رَبّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَة وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا )) .
والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……