كلية العلوم | جامعة ديالى
المقال العلمي الاسبوعي
الرنين المغناطيسي النووي بقلم ا.م.د بثينة عبد المنعم ابراهيم/ قسم علوم الفيزياء كلية العلوم / جامعة ديالى |
تعتبر تقنية الرنين المغناطيسي النووي من اهم التقنيات المستخدمة في تشخيص الامراض ودراسة العمليات الحياتية المعقدة في جسم الانسان. وقد استخدمت هذه التقنية في الكثير من التطبيقات منها الزراعية والصناعية والكيمياء الحياتية والصيدلانية والطب . وبدأت تقنية الرنين المغناطيسي النووي تستأثر باهتمام العلماء والباحثين وبشكل فعلي ومكثف عام 1945 وذلك في مختبرات بلوك وبورسيل وزملائهما.
ان تفسير الاطياف الناتجة عن هذه التقنية يتطلب قدرا كبيرا من الحكمة والذكاء حيث ان القياسات الاولية التي اجريت على بروتونات الماء وشمع البرافين هي التي مهدت السبيل الى بحوث الرنين المغناطيسي النووي للوصول إلى هذا النجاح، وعندما اعلنت شركة فيريان عام 1953 ببيع اول مطياف تجاري ذي قابلية عالية للتوضيح ، اصبح الرنين المغناطيسي النووي للبروتون فرعا مهما من فروع العلوم اضافة إلى ان هذه الاجهزة اصبحت من الادوات الاساسية التي تدعم البحوث في مختلف المجالات وخاصة في مجال الكيمياء العضوية. بدأت بحوث الرنين المغناطيسي النووي بالانتشار وبدأ تطبيقها على المرضى في عام 1980 وقد تمت اجازتها من قبل بعض المنظمات الدولية ذات العلاقة في عام 1984.
لقد بدأت اجهزة الرنين المغناطيس النووي بدراسة نواة الهيدروجين (البروتون) ذات الحساسية والوفرة العاليتين.ولم يكن بالامكان تسجيل نوى اخرى عدا الفلور الذي يتصف بحساسية عالية ايضا، وتطور الامر بادخال تحويل فورير الذي امكن بواسطته استعمال ومضات راديوية وبذلك ازدادت حساسية اجهزة الرنين واصبح بالامكان قياس نوى ذات حساسية واطئة مثل الكاربون- 13.
ان اهم الاستخدامات المعروفة للرنين المغناطيس النووي هو التشخيص الطبي والذي يطلق عليه التصوير بالرنين المغناطيسي حيث يمكن عن طريقه اجراء فحوصات لجميع اجزاء جسم الانسان وذلك لاحتوائه على ماء مكون من انوية الهيدروجين (البروتونات) التي تعد الاساس في عمل جهاز الرنين المغناطيس النووي.
وبدأ استخدام اجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي يتسع حتى بلغ عددها اكثر من عشرة آلاف جهاز وهي من افضل طرق التصوير الطبي. يتكون الجهاز من انبوبة كبيرة اسطوانية على شكل حرف سي او على شكل انبوبة مفتوحة ويتراوح عرض الجهاز بين( 55 و 65 ) سم وطوله ما بين ( 160-260)سم . وتقاس قوة الجهاز بوحدة التسلا وتتراوح شدة المجال المغناطيسي في اغلب الاجهزة المفتوحة (15% – 35%) تسلا. ان قوة المجال المغناطيسي الذي شدته 1.5 تسلا في جهاز الرنين المغناطيس النووي تقدر بـ (30 ) مرة اكبر من قوة الجاذبية. عند فحص المريض يوضع داخل الجهاز وتصدر خلال الفحص اشارة راديوية تعبر خلال جسم الانسان لتصدر طاقة معينة يمكن قياسها بواسطة جهاز الرنين وتحويلها إلى صورة مقطعية حيث يمكن عمل الفحوصات في مقاطع افقية ورأسية بطريقتين الاولى تقسم الجسم إلى يمين ويسار والاخرى تقسمه إلى خلفي وامامي، كما يمكن عمل مقاطع مائلة.
استخدم الجهاز في الكثير من الفحوصات منها: المخ والاوعية الدموية له والاذن الداخلية والرقبة والكتف والفقرات العنقية والاوعية الدموية للبطن والحوض ومفصل الفخذ والركبة والمثانة والثدي. ان أهم ما يمتاز به الفحص بجهاز الرنين المغناطيس هو تجنب المرضى التعرض للاشعة السينية اثناء اجراء الفحوصات بالاجهزة الاشعاعية التقليدية او اجهزة التصوير المقطعي، إلا ان بعض الفحوصات قد تتطلب حقن المريض بصبغة عن طريق الوريد وهذه لا تسبب للمريض اية مضاعفات، كما ان المريض قد يشعر يضربات في اماكن الفحص وربما انبعاث اصوات مرتفعة نسبيا من الجهاز اثناء عملية الفحص ولتلافي ذلك ينصح المرضى بوضع سدادة للاذن لتخفيف شدة الصوت.
ويجب عند اجراء الفحص التأكد من خلو جسم الانسان من الاجسام المعدنية كمنظم ضربات القلب والصمامات والمفاصل الاصطناعية والدبابيس الطبية والشظايا والعيارات النارية الخ….. وفي حالة الشك بوجود جسم معدني يمكن عمل اشعة عادية لتحديد امكانية عمل التصوير بجهاز الرنين المغناطيسي .. كذلك يجب على المريض خلع ملابسه وارتداء لباس خفيف خاص بالفحص ونزع اية اشياء معدنية كالحلي والساعات ودبابيس الشعر والنظارات ووسائل السمع واطقم الاسنان المتحركة.
اما بالنسبة للمرأة الموضع فمن المفضل تأجيل الرضاعة إلى ما بعد 24 ساعة من الفحص فيما تنصح المرأة الحامل بتجنب عمل الفحص خلال الثلث الأول من الحمل وكذلك عمله عند الضرورة فقط خلال الفترة المتبقية من الحمل ومحاولة تقليل وقت الفحص والاستغناء عنه في حالة وجود بديل وذلك بعد استشارة الطبيب، إذ ان الفحص بالرنين المغناطيس النووي هو فحص آمن إلا انه ينبغي اخذ الحيطة والحذر لقلة المعلومات المتوفرة بهذا الخصوص.
هذا ما يتعلق بالجهاز واستخداماته الطبية ، أما الأساس الفيزيائي لهذه التقنية فانه يعتمد على حقيقة ان النوى التي يحتويها جسم الانسان تمتلك حركة مغزلية باتجاه عقارب الساعة او عكسها لذلك يمكن القول بان حركة كل نواة تمتلك عددا مغزليا (برم) قيمته (0، ½ ، 1، 2/3 ——) وتعتمد قيمة هذا العدد على العدد الذري والعدد الكتلي للنواة. إن النواة التي لها عدد مغزلي مساوٍ للنصف ومضاعفاته او الواحد ومضاعفاته يكون لها امتصاص في منطقة الرنين المغناطيس النووي ، ومثال على ذلك ذرة الهيدروجين ونظائرها ، وكذلك الكربون-13 والفسفور -31 والاوكسجين-17 ، أما عندما يكون العدد المغزلي مساويا للصفر فان النواة لا تمتص طاقة في منطقة الرنين المغناطيس النووي ، وكمثال على ذلك الكربون-12 والاوكسجين-16 والكبريت -32 لذا لا يمكن استخدامها في هذه التقنية.
تولد كل نواة عند حركتها عزما مغناطيسيا ، فعند وضعها في مجال مغناطيسي خارجي فإن ذلك سيؤدي إلى استقطاب النوى ذات البرم المغزلي المساوي للنصف باتجاهين: الاول باتجاه المجال المغناطيسي الخارجي ، والثاني بعكسه، حيث ان النوى التي تكون باتجاه المجال تكون مستقرة ويكون عددها اكثر من تلك النوى التي يكون اتجاهها عكس اتجاه المجال، وتكون هذه النوى اقل استقرارا ، وعند تسليط ذبذبة راديوية على هذه النوى فإن بعض منها سيمتص الطاقة وينتقل من المستوي الطاقي الواطيء(العدد المغزلي = +1/2 ) إلى المستوي الطاقي الأعلى( العدد المغزلي = -1/2 )، حيث تفقد النوى غير المستقرة طاقتها أما على شكل حرارة إلى النوى المجاورة وتسمى هذه العملية (الاسترخاء) أو فقدان الطاقة على شكل ذبذبة راديوية وبذلك تنتقل هذه النواة من المستو ي الطاقي غير المستقر إلى المستوي الطاقي المستقر.
ويمكن قياس الطاقة المنبعثة نتيجة لهذه العملية ضمن جهاز الرنين المغناطيسي النووي ، وتسجل هذه الذبذبات على شكل إشارات يمكن معالجتها وتحويلها إلى صورة على جهاز الحاسوب، والتي يمكن بواسطتها تحديد المادة وكمية البروتونات فيها وموقع كل بروتون في الجزيئة ، وكذلك من الممكن الحصول على اطياف جميع النويات التي تحتويها الجزيئة مثل الهيدروجين أو الكربون أو الاوكسجسن حيث ان تقنية الرنين المغناطيسي النووي هي الوحيدة التي بامكانها ان تعطي طيفا منفصلا لكل نواة موجودة في الجزيئة ، وهذا يمًكننا من الحصول على معلومات نظرية وعملية مهمة عن الجزيئات وعن تصرفها في ظروف مختلفة.
والى اللقاء في مقال أخر أن شاء الله……
للاطلاع على المقالات السابقة اضغط هنا